أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة
القاعدة تخرج من حرب اليمن أقوى وأغنى
يمنات – صنعاء
بعد أن توقفت الألسن عن ذكره أو كادت مع تزايد نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في الخارج والحملات الأمنية في الداخل.. بات تنظيم القاعدة في اليمن يحكم الآن دويلة على مرأى ومسمع الجميع وبمخزونات مالية تقدر بنحو 100 مليون دولار جاءت من نهب ودائع بنكية وعائدات إدارة ثالث أكبر موانئ البلاد.
وإذا كانت الرقة هي المدينة السورية التي اتخذتها الدولة الإسلامية عاصمة لها فالقاعدة تتخذ من المكلا الساحلية في جنوب شرق اليمن والتي يقطنها نصف مليون نسمة عاصمة لها. وألغى مقاتلو القاعدة هناك الضرائب المفروضة على السكان ويطلقون زوارق سريعة يقودها مقاتلون يلوحون بقذائف آر.بي.جي ويفرضون رسوما على مرور السفن ويطرحون تسجيلات فيديو دعائية يتباهون فيها بتمهيد طرق في المدينة وبتزويد المستشفيات باحتياجاتها.
ووصف تلك الإمبراطورية الاقتصادية ورد على لسان أكثر من عشرة من الدبلوماسيين ومسؤولي الأمن اليمنيين وشيوخ القبائل والسكان في المكلا. وظهورها هو أكثر نتيجة صادمة لم تكن مقصودة للتدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن.
وساعدت الحملة -التي دعمتها الولايات المتحدة- تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على أن يصبح أقوى من أي وقت منذ ظهوره أول مرة منذ ما يقرب من 20 عاما.
ويقدر مسؤولون بالحكومة اليمنية ومتعاملون محليون أن القاعدة – بالإضافة إلى استيلائها على ودائع بنكية- حصلت على نحو 1.4 مليون دولار من شركة النفط الوطنية وتجني ما يصل إلى مليوني دولار يوميا من الرسوم على السلع وشحنات الوقود التي تدخل الميناء.
وتفاخر القاعدة بأن لها نحو ألف مقاتل في المكلا وحدها وهي تسيطر على 600 كيلومتر من خط الساحل وتدمج نفسها مع أبناء الجنوب الذين شعروا بالتهميش لسنوات من النخبة في الشمال.
ووسعت القاعدة منطقة نفوذها باتباع العديد من الأساليب التي تنتهجها الدولة الإسلامية في السيطرة على أراض في سوريا والعراق. ويكمن الخطر في أن الجماعة التي نسقت الهجوم على مجلة شارلي إبدو في باريس العام الماضي وحاولت مرارا إسقاط طائرات ركاب أمريكية قد تقنع تدريجيا السكان المحليين بأيدولوجيتها المتشددة.
وقال أحد السكان ويبلغ من العمر 47 عاما “أتمنى أن تبقى القاعدة هنا.. لا أن يتم تحرير المكلا.” وأضاف “الوضع مستقر أكثر منه في أي جزء ’حر’ من اليمن. البديل للقاعدة أسوأ بكثير.”
ومن جانبها تجد السعودية صعوبة بالغة في انتشال نفسها من مأزق اليمن بعد عام من تدخلها في الحرب الأهلية هناك.
على الرغم من الآلاف من غارات القصف الجوي فشلت السعودية وحلفاؤها الخليجيون في إخراج انصار الله من العاصمة صنعاء. وقتل ما يقدر بنحو 6000 شخص نصفهم من المدنيين. ومن المقرر أن يسري وقف مؤقت لإطلاق النار بين الحكومة المعترف بها دوليا والتي تدعمها السعودية وبين أنصار الله يوم العاشر من أبريل نيسان.
وفي بيان صدر أصدرته السفارة السعودية في واشنطن في الآونة الأخيرة قال مسؤولون سعوديون إن حملتهم حرمت “الإرهابيين” من ملاذ آمنا في اليمن لكن قوة القاعدة تتزايد.
وقال مسؤول أمريكي في مجال مكافحة الإرهاب إن القاعدة في جزيرة العرب ما زالت واحدة من “أقوى فروع” القاعدة. وشنت الولايات المتحدة في 22 مارس آذار ضربة جوية أسقطت أكبر عدد من قتلى القاعدة إذ أسفرت عن مقتل نحو 50 من رجالها في قاعدة عسكرية خارج المكلا.
وقال المسؤول “خبرة الجماعة في تصنيع القنابل وطموحاتها القائمة منذ فترة طويلة في تنفيذ هجمات باستخدام تكتيكات جديدة أو معقدة تبرز التهديد” القائم.
وقال مسؤول بارز في الحكومة إن الحرب على انصار الله أتاحت مناخا مواتيا لتوسع القاعدة. وأضاف أن انسحاب وحدات الجيش الحكومي من قواعدها في الجنوب سمح للقاعدة بالاستحواذ على كميات كبيرة جدا من الأسلحة المتقدمة والمتطورة بما فيها الصواريخ التي تطلق من قاذفات محمولة على الكتف والعربات المسلحة.
وأضاف أنه علاوة على ذلك فإن انشغال التحالف السعودي بمحاربة أنصار الله جعل من الأسهل على عناصر القاعدة التوسع في أكثر من منطقة. وأشار إلى أن هذا ما جعل القاعدة أقوى وأخطر مضيفا أن حكومة اليمن تعمل مع التحالف حاليا لملاحقة عناصر الجماعة وأنها ستواصل ذلك لحين تدمير القاعدة.
* تشريح لامبراطورية اقتصادية
قال مسؤولون أمنيون وسكان إن قوات الجيش اختفت من شوارع المكلا وتحركت غربا نحو مناطق المعارك بعد نحو أسبوع من شن السعودية لعملية عاصفة الحزم.
وترك ذلك سكان المدينة دون دفاع مما سمح لبضع عشرات من مقاتلي القاعدة بالسيطرة على المباني الحكومية وتحرير 150 من زملائهم من السجن المركزي. ومن بين من تم تحريرهم خالد باطرفي وهو قيادي بارز في القاعدة. وظهر باطرفي في صور نشرت على الإنترنت جالسا داخل قصر الرئاسة بالمدينة ويبدو سعيدا ومسيطرا وهو يضع الهاتف على أذنه.
وقال شيوخ قبائل في محافظات مجاورة لرويترز إن الفراغ الأمني تسبب في نهب القواعد العسكرية وأصبح الجنوب اليمني متخما بالأسلحة المتقدمة وأصبحت متفجرات سي.4 بل والصواريخ المضادة للطائرات متاحة لمن يدفع أكثر.
وقال مسؤولان أمنيان يمنيان رفيعا المستوى إنه مثلما استولى تنظيم الدولة الإسلامية على البنك المركزي في الموصل بشمال العراق نهبت القاعدة في جزيرة العرب فرع البنك المركزي في المكلا مما مكنها من وضع يدها على ما يقدر بنحو 100 مليون دولار.
وقال أحد المسؤولين إن ذلك يمثل أكبر مكسب مادي للقاعدة حتى الآن وإن المبلغ يكفي لتمويل التنظيم بما يتيح له العمل بالمستوى الذي يعمل به الآن لمدة عشر سنوات على الأقل.
وفي إشارة إلى أن القاعدة لا تريد أن تنمي مواردها وحسب وإنما تسعى أيضا لاعتراف رسمي ككيان شبيه بالدولة.. قال زعيم قبلي ومسؤولان بارزان إنها سعت للحصول على تصريح من الحكومة اليمنية بتصدير النفط الخام في أكتوبر تشرين الأول وتحصيل نسبة من الأرباح.
ورفضت الحكومة اليمنية خشية أن يعطي مثل هذا الاتفاق اعترافا فعليا بالتنظيم المدرج دوليا في القوائم السوداء. وقال زعيم قبلي في جنوب اليمن لرويترز إن القاعدة أرسلت وسيطا للحكومة لإقناعها بالموافقة على هذا الاتفاق.
وأضاف أن العرض كان عبارة عن أن التنظيم بحاجة لوثائق رسمية من الحكومة لبيع النفط الخام وأنه سيحصل على 25 بالمئة من الأرباح بينما تحصل الحكومة على 75 بالمئة.
وقال الزعيم القبلي ووزير النقل السابق بدر باسلمة إن الحكومة رفضت العرض.
وأكد باسلمة متحدثا عبر الهاتف من العاصمة السعودية الرياض حدوث ذلك قائلا إن الحكومة رفضت تماما أن يكون لها أي علاقة بالصفقة لأنها كانت ستعطي القاعدة سلطة وشرعية.
على الساحل
في ميناء المكلا.. تصب موارد شبكة رائجة لتهريب الوقود في خزائن القاعدة في جزيرة العرب يوميا.
وأبلغت مصادر قبلية وسكان ودبلوماسيون رويترز أن مقاتلي التنظيم سيطروا على ميناءي المكلا والشحر عندما اجتاحوا المدينتين في أبريل نيسان الماضي. وبدأ المتشددون في فرض رسوم وجمارك على حركة الملاحة والتجارة.
وقال أحد سكان المكلا لرويترز “تمر الجماعة بفترة ثراء فاحش ورغد غير مسبوق.”
ويقدر مسؤول يعمل بوزارة النقل حاليا إيرادات التنظيم بنحو مليوني دولار يوميا. وقال باسلمة وزير النقل السابق إن بعض التجار المحليين يقدرون دخل التنظيم بما يصل إلى خمسة ملايين دولار يوميا من رسوم الجمارك والوقود المهرب.
وقال باسلمة “ستجدون المئات من شاحنات النفط هنا تهرب الوقود من منطقة لأخرى حيث يبيعونه.”
وقال عبد الله النسي محافظ شبوة المجاورة حيث يسيطر تنظيم القاعدة على أراض إن التنظيم أصبح المورد الفعلي للوقود. وأضاف في حديث هاتفي أجرته رويترز “يبيعون الوقود لمن يشتريه… محطات البنزين التي تديرها الحكومة تشتري منهم وتبيعه للمواطنين.”
وتسيطر الآن القبائل التي تعمل مع القاعدة على معظم البنية التحتية النفطية للبلاد. وترتبط ستة صهاريج نفط بيضاء على شاطئ بين المكلا والشحر بخط أنابيب يصل إلى حقول المسيلة النفطية التي يقدر أنها تحوي أكثر من 80 في المئة من إجمالي الاحتياطي اليمني.
وبعد أن انسحبت قوات الجيش من المنطقة العام الماضي تولت قبائل محلية مسلحة مرتبطة بالقاعدة زمام الأمور. ودفع ذلك الشركات الكبرى العاملة هناك -شركة بترومسيلة المملوكة للدولة ونيكسن إنرجي الكندية وتوتال الفرنسية- لوقف الإنتاج والتصدير. وقال مسؤول في بترومسيلة إن الشركة لا تزال تستخرج كميات صغيرة من النفط لتشغيل مولدات الطاقة بالمنطقة. وقالت توتال إنها لم تستأنف العمليات. أما نيكسن فلم ترد على طلب للتعليق على الأمر.
روبين هود
يعد هذا تحولا شديدا طرأ على حظوظ جماعة تأسست في أواخر التسعينات واندمجت مع فرع القاعدة بالسعودية عام 2009. وبعد حملة من التفجيرات الانتحارية والهجمات التي استهدفت الحكومة اليمنية وإفشال مخططين لنسف طائرتي ركاب متجهتين للولايات المتحدة اضطرت القاعدة في جزيرة العرب للتراجع أمام هجمات من جانب القبائل اليمنية والقوات الحكومية إضافة إلى ضربات الطائرات الأمريكية بلا طيار.
وشرعت الجماعة الآن في حملة سافرة لابتزاز الشركات المملوكة للدولة بما فيها شركة النفط الوطنية وشركات الهواتف المحمولة. وتستخدم القاعدة الأموال التي تقتنصها في كسب ود السكان في أسلوب تصفه إليزابيث كندال الباحثة في الشأن اليمني بجامعة أوكسفورد بأسلوب “روبين هود”.
وفي يناير كانون الثاني انتشرت على وسائل الإعلام المحلية نسخة من طلب أصدره التنظيم. وحملت الورقة التي كان على رأسها شعار التنظيم طلبا بالحصول على 4.7 مليون دولار من الحساب المصرفي لشركة النفط الوطنية في المكلا.
وقال مسؤول أمني كبير بالحكومة إن شركة النفط دفعت المبلغ المطلوب كاملا. وقال مصدر بالبنك إنها دفعت 1.4 مليون دولار فقط. وامتنع ممثل لشركة النفط عن التعليق.
وصرح مسؤولون في أكبر ثلاث شركات لخدمات المحمول وهي (إم.تي.إن) و(سبأفون) و(واي للاتصالات) بأن القاعدة طلبت أيضا 4.7 مليون دولار من كل من الشركات الثلاث التي قالت جميعها إنها رفضت الدفع.
وفي أواخر العام الماضي ألغت القاعدة ضرائب الدخل في المناطق التي تسيطر عليها معتبرة إياها متنافية مع القواعد الإسلامية. وفي تسجيل مصور نشر على يوتيوب في نوفمبر تشرين الثاني الماضي أعلن رئيس المحكمة الشرعية للقاعدة في محافظة حضرموت -التي تقع على الساحل وعاصمتها المكلا- أن التنظيم سيعيد لموظفي الحكومة الضرائب التي دفعوها. وظهر في الفيديو شخص يستخرج مبالغ لموظف من رزمة ضخمة من أوراق البنكنوت اليمنية.
وفي تسجيل مصور آخر ظهر علي بن طالب الكثيري عضو التنظيم وهو يقول إن الفقراء يدفعون الزكاة بينما الأغنياء لا يدفعونها مرجعا ذلك لحكم الطغاة الذين قال إنهم لم يطبقوا شرع الله وأكلوا أموال الناس بالباطل.
وقتل الكثيري في يناير كانون الثاني في اشتباك مع رجال قبائل بالجنوب. لكن تظل استراتيجية التنظيم هي كسب ود الناس بدفع المال لهم حسبما قالت كندال الباحثة بجامعة أوكسفورد.
وتنشر الجماعة بانتظام صورا لأعضائها يصلحون جسورا ويمهدون شوارع في حضرموت ومناطق أخرى تحت سيطرتها. وهي تقول إنها تجري هذه الإصلاحات بأموال مقدمة من جماعات مثل أنصار الشريعة أو أبناء حضرموت وهي أسماء استعانت بها القاعدة في جزيرة العرب في إطار مسعى للتأكيد على أصولها المحلية.
وفي تسجيل فيديو نشر في 28 فبراير شباط ظهر أعضاء بالتنظيم وهم يسلمون إمدادات طبية وأجهزة بالمجان على وحدتي الكلى وعلاج السرطان بمستشفى محلي. وكانت صناديق الإمدادات مغلقة بشريط لاصق يحمل اسم شركة دواء غربية.
وفي التسجيل يقول مقاتل تم حجب وجهه إن الأدوية مقدمة من “إخوانكم” في جماعة أنصار الشريعة إلى مستشفى الجامع الذي قال إنه كان فيه سبيله للإغلاق لعدم توافر المال. وظهر بالفيديو أيضا مسؤول بالمستشفى قال إنه تلقى مالا من القاعدة لدفع رواتب العاملين.
ملاذ شعبي؟
استغلت الجماعة الانقسام الطائفي في الترويج لمشروعها لبناء الدولة باعتبارها حركة تحرير. وقال باطرفي القيادي بالجماعة إن مناطق كثيرة انصاعت للتنظيم بعد أن تركها الحوثيون واصفا الجماعة بأنها الكيان الذي يثق به الناس.
وفي المحافظات الساحلية الخمس من مقر الحكومة المؤقت في عدن إلى المكلا تكررت نفس الأحداث في الأشهر الأخيرة: تقتحم قوات القاعدة مدينة ما وترفع راياتها ثم تتابع الأحداث بينما يرضخ الزعماء المحليون.
ويقول مواطنون إنهم تعبوا من الانتقال ويؤثرون العيش تحت سلطة القاعدة.
وقال شيخ يمني “إذا قاومتهم فأنت لا تعلم متى يجيئون ليغتالوك.”
وتعلمت القاعدة في جزيرة العرب أن تكون أقل شراسة من الدولة الإسلامية منافستها التي واجهت صعوبة لكسب موطئ قدم بين تجمع سكاني لفظها لأفعالها الوحشية. فرغم أن القاعدة قتلت أشخاصا يشتبه بأنهم “مشعوذون” ورجمت رجلا وامرأة على الأقل بتهمة الزنا يتحدث السكان عن ندرة مثل هذه الوقائع كما حمل إعلام الجماعة على الإنترنت رسالة تتضمن نفس المعنى.
وحتى حين تعلن القاعدة عن تنفيذها أحكاما عقابية لا تظهر بالتسجيلات أو الصور درجة الشراسة التي تظهر في تسجيلات الدولة الإسلامية. وقال نشطاء إن القاعدة احتجزت عشرات من ضباط الجيش وشخصيات أخرى اعتبرتهم مصدر تهديد أو وضعتهم رهن الإقامة الجبرية بالمنزل ولم تلجأ لأسلوب الذبح الجماعي.
وقالت مواطنة في المكلا إن حياتها لم تتغير كثيرا منذ سيطرت القاعدة على المدينة. وأضافت في اتصال تليفوني أجرته رويترز “نعيش حياتنا بشكل طبيعي. وهم يمشون بين الناس… هم يحاولون بالطبع خلق ملاذ شعبي.”
وقال دبلوماسي بالمنطقة يتابع أحداث اليمن إنه إذا نجحت القاعدة في توطيد وضعها كتنظيم سياسي واقتصادي “فقد نواجه قاعدة أكثر تعقيدا… ليس فقط كتنظيم إرهابي لكن كحركة تسيطر على أرض ناسها سعداء بهذا.”
المصدر: رويترز